الخميس، 19 يناير 2017

كتاب جبروت العقل ل جلبرت هايت



 "العقل هو الملك المفزوع إليه، والحكم المرجوع إلى ما لديه في كل حال عارضة وأمر واقع، عند حيرة الطالب ولدد الشاغب،

ويبس الريق واعتساف الطريق، به ترتبط النعمة، وتستدفع النقمة،
 ويستدام الوارد، ويتألف الشارد، ويعرف الماضي، ويقاس الآتي.

 شريعته الصدق، وأمره المعروف، وخاصته الاختيار، ووزيره العلم، وظهيره الحلم، وكنزه الرفق، وجنده الخيرات، وحليته الإيمان، وزينته التقوى، وثمرته اليقين".


بهذه الكلمات وفي القرن العاشر الميلادي، عرف التوحيدي معنى العقل وكنهه، ممجداً إياه، رافعاً مكانته لمنزلة الملك،
ولن يعترض أحد ممن عرف قدرة العقل على ذلك التمجيد أو التبجيل.


واليوم وبعد عشرة قرون، يأتينا جلبرت هايت الكاتب الأسكتلندي المولد، الأمريكي النشأة بكتابه المميز "جبروت العقل"،

 والذي يتناول فيه مفهوم العقل من الألف إلى الياء، عبر ثلاثة أجزاء متتالية يتحدث عبرها عن: قدرة المعرفة،
 ثم حدود تلك المعرفة، ثم الجزء الأخير الذي يسميه تكريس.






وفي قراءتنا لهذا الكتاب، سنحاول إيجاز أهم الأفكار التي وردت في هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة وفصوله المتعددة.


 1- الجزء الأول :-

في الجزء الأول من الكتاب والموسوم "قدرة المعرفة"، يختار الكاتب أحد أهم الأعمال الفنية التاريخية، ليبدأ بها كمدخل لما يريد أن يقدمه في كتابه،

أو لنقل، كشرارة إلى فكرته، ونقصد بذلك وجهة نظره حول موقف أنتيجوني الرائعة التي قدمها - سوفوكليس- في مسرحيته،

 والتي تعالج مسألة التمرد على نظام الحكم المستبد من خلال - أنتيجوني المرأة- التي ترفض قرار الملك كريون بعدم دفن أخيها.

لقد أراد الكاتب من استشهاده بموقف أنتيجوني أن يوضح أن أحط ألوان الشقاء هو استعباد العقل لا استعباد الجسد،

 وأن يوضح أن في قدرتنا أن نجعل الحياة - وإن قست أو استغلق أمرها علينا- جديرة بمصير رائع، إذا نحن حرصنا على صيانة عصمة العقل!

ويوضح الكاتب في الجزء الأول من كتابه، إن هذا العقل المبدع هو ما يميزنا عن سائر الكائنات الأخرى التي نعيش معها في عالمنا؛ فالمعرفة التي تنال وتنقل من أجل المعرفة وحدها هي الصفة التي تجعلنا بشراً،

 والجنس البشري فيه أوبار الحيوانات ورئاته، وعظم الزواحف ودم كدم السمك؛ فنحن والحيوان ذوو قربى، وكثيراً ما نكون أشد قسوة منه،

ولكننا في حقيقة الأمر نختلف عنه في أن قدرتنا على التعلم لا تكاد تُحدّ، وأننا نعرف ونتذكر، فنحن (الإنسان المفكر).


يقدم الكاتب في هذا الجزء، سرداً تاريخياً لنشأة الوعي العقلي إن جاز لنا التعبير، ويبدأ بالمقارنة بين الإنسان والحيوان اللذين اجتمعا في مكان واحد،

 لكن لم يتابع الاثنان مسيرة حياة واحدة، فقد بدأت تظهر لدى الإنسان ملامح التفكير العقلاني لما شعر بضرورة تطوير حياته وتغييرها نحو الأفضل، ويرى جلبرت هايت أن دراسة التاريخ على أنه أحاديث الصراع من أجل السلطان، تثير النفس، وتحركها ولكنها لا تجدي. 

فقد ظلت حيوانات الدينوصور الجبارة تتصارع عصوراً طويلة،
عاش بعضها ومات بعضها، ليس في ذلك معنى يستفاد وقبائل البشر منذ قرون تصطاد وتغزو ويستعبد بعضها بعضاً، هذا نصب كميناً،

وذاك وقع فيه، حقائق، ولكن أهي ذات خطر؟

يرى الكاتب أن تاريخنا الحقيقي الأصيل، هو تاريخ تعلمنا وتفكيرنا؛ فالتعلم نقلنا من مرحلة الحيوان وجعلنا بشراً،

 وأن توسيع نطاق المعرفة كان عندما انتقلنا من الحيوانية إلى البدائية المتوحشة، ومنها إلى الحضارة.

ويشرح الكاتب دور الأدوات التي سخرها الإنسان لخدمته، ولمساعدته على السير في ركب التطور الذي ينشده ويطمح إليه، ويتفاءل الكاتب بأنه: "مادامت كرة الأرض تصلح داراً للأحياء،

 ومادام مخ الإنسان الذي لا يزيد وزنه على 1417 جراما هو هو؛ فإننا سنبقى قادرين على أن نعيد بناء الحضارة؛ بل سنجد أنفسنا مجبرين على ذلك!".

ولا يخفي الكاتب تحيزه للحضارة الغربية التي تعتبر من وجهة نظره تفوق الثقافات الأخرى في كونها نتيجة للفكر المنظم،

وأن العالم بأسره أخذ عنها، ويذكر كذلك أن: "تاريخ الحضارة الغربية خلال ثلاث آلاف سنة الأخيرة - بما فيه من ألوان السخف والخطأ- لن يفهم على أفضل وجه إلا من حيث هو سجل حافل بمغامرات العقل المفكر"،

 ولا نخفي أن الكاتب جلبرت واحداً من الكتاب واسعي الاطلاع على آراء القدماء والمعاصرين؛ فهو يستعرض الآراء لفهم معنى الحضارة الحديثة لعله يجد ما يشفي غليله حين يسائل نفسه ما الفكرة الجامعة؟ وإلى أي حدّ يساعد العلم في فهم الاتجاهات البشرية؟

ويبدو جلياً تماماً في كتاب جلبرت تركيزه على دور التربية كأساس لكل حضارة وارتقاء، وهو هنا يرفع القبعة احتراماً وتبجيلاً للحضارة الإغريقية التي أدركت ذلك؛ بل وحثت عليه.

 على عكس الشعوب الأخرى التي أخذت بأن الحضارة تعني القوة والسلطان، أو لنقل بمعنى آخر أن التركيز على الأمور المادية في بناء الحضارة كان هو الغالب في الوقت الذي كان فيه الإغريقيون في صميم نفوسهم يعرفون ما هو أفضل من ذلك؛
ونقصد بذلك تحسين العقل!

لقد نظم شعراء الإغريق الشعر، وألف فلاسفتهم ومؤرخوهم الكتب لكي يعينوا الناس على التفكير، وهذا هو السبب الذي لايزال يحملنا على مطالعة مؤلفاتهم.

وراق لي في هذا الصدد، أن أنوه إلى موقف الكاتب جلبرت من الحضارات الأخرى أيضاً؛ فهو يعتبر أن تلك الحضارات تثير من الإعجاب ما تفعله قصة الحضارة الرومانية والإغريقية،

وذلك بما تنطوي عليه من "نمو داخلي أصيل تم بواسطة الاختراع الدائب والتعلم والتعليم في الشعب الواحد".

لقد أراد الكاتب القول عبر سطوره، وصرح بذلك غير مرة، إن العقل لغز حقيقي تنكشف بعض خطوطه الغامضة بين الفينة والأخرى من خلال بعض الأعمال التي تقدمها حضارة شعب من الشعوب.

 يرى الكاتب أن تاريخنا الحقيقي الأصيل، هو تاريخ تعلمنا وتفكيرنا؛ فالتعلم نقلنا من مرحلة الحيوان وجعلنا بشراً

ويركز ويكرر بين ثنايا الكلمات على أن التربية السليمة هي التي تساعد في استكشاف مواضع الغموض،

 بل وتساعد على إضاءة العديد من الجوانب المظلمة!. "فدينٌ في أعماقنا أن نوقر العقول العظيمة في الماضي، والحاضر والمستقبل.

 ومن بواعث الإلهام والغبطة أن نطالع أسماءهم، فأحدها يلقي بضيائه على الآخر، ويتلقى ضياء من غيره".

لقد حاول الكاتب أن يطرح مفهوم المعرفة التراكمية دون أن يصرح بذلك، ولكن عبر اعتماده الرئيس على السرد التاريخي المهم والدقيق لمراحل تطور المعرفة،

ولدور كل مرحلة في المرحلة التي تليها، مبيناً الأثر المفيد لكل أعلام مرحلة فيمن يليهم، بل وفي مسيرة الارتقاء الحضاري ككل.

وقدم المؤلف رؤيته حول مستقبل المعرفة من خلال ثلاث نهايات محتملة، أولها: اتساع المعرفة.

هذا الاتساع يتجلى من خلال القراءة والكتابة فعليهما تنعقد الآمال، ومنهما يظهر مستقبل المعرفة" وحياة كل كنيسة أو بلدة أو مدرسة لا تحتوي على مجموعة وافية من الكتب هي نصف حياة"!، فمستقبل المعرفة الذي نطمح إليه هو أن يتسع نطاقها في جميع أرجاء الأرض،

 وأن تنتشر أصداؤها على مساحات كبيرة في هذا العالم، لكن المؤلف يرى أن من الممكن أيضا، وبكل موضوعية أن يكون هناك مصيران آخران للمعرفة؛ فالمصير الثاني المحتمل هو الانتحار؛ فيرى جلبرت ان المعرفة قد تخنق بأيدينا بغير قصد، أو قصد بيد فئة مسيطرة،

 وربما قصد الكاتب أن التطور والرفاهية الزائدة قد تؤذي المعرفة أكثر مما تفيدها بأن تؤدي للبلادة الفكرية وتوقف العقل عن العمل حين ينال الفرد منا كل متطلباته، ويتمتع بلذاته غير مكترث بالفكر أو بإعماله، وضرب في ذلك الكثير من الأمثلة!


2- الجزء الثانى :-

أما المصير الثالث لمستقبل المعرفة كما قدمه جلبرت، فهو: السيطرة على الفكر؛ وعني به اللجوء للقوة كوسيلة لإيقاف الفكر ومنع العقل من العمل!

 ويشرح ذلك بطرح مثال كفرض مذهب معين على مسيرة العقل، وهذا الفرض سيكبل دور العقل ووظيفته في النقد والشك وطرح الجديد دائماً والمبتكر.

هذا الرأي سيقودنا إلى تساؤل منطقي هو: ماهي حدود المعرفة إذن؟، وهذا ما سيوضحه الكاتب عبر صفحات الجزء الثاني من الكتاب،

 والذي حمل ذات الاسم، ويرى الكاتب أن هناك نوعين من الحدود المفروضة على المعرفة البشرية، الأول: الذي يفرضه البشر أنفسهم، والثاني: وهو أصيل في تركيب العقل وصلته بالكون!

 وقد فسر الكاتب النوع الأول من الحدود على أنه نوع من العوائق الخارجية التي تفرض قيداً على العقل وتكبل عمله، وقد كانت صادرة عن الإنسان نفسه، 
وهو يوضحها بعدة أمثلة كالكسل مثلاً،

وبرأي الكاتب الكثير من البشر في هذا العالم كسالى، ولنعترف أن الكثير منهم عقولهم معطلة ومشلولة عن التفكير،

 ومن تلك العوائق أيضا الفقر، ويعتبره الكاتب قيداً رئيساً، ويستشهد بمقولة لجو فنال الروماني: "الموهبة تتفتح في بطء متى أناخ عليها الفقر"، ويوضح الكاتب أن الفقر سبباً رئيسياً لتوقف المعرفة أحياناً،

 ولكن الكاتب ليس سوداوياً أمام هذه العقبة، فهو يقول: "مع ذلك حتى فقر الجماعة كلها ليس حاجزاً مانعاً يحول دون تربية شعب قد عزم،

 ولا ينثني عن التضحية في سبيل ذلك؛ فالجماعة قادرة على أن ترفع مستواها خلال خمسين سنة إذا تضافرت جهودها"، ويعقب الكاتب أن الفاقة تبعث الأسى في النفس. أما الخطأ،

 فيثير السخط، وهو يعتبر الخطأ عائقاً ثالثاً أمام المعرفة، ولندرك قصد الكاتب علينا أن نبين أنه قصد بالخطأ السلوك الناجم عن التوجيه أو التربية الخاطئة والمهملة للإنسان، فكاتبنا يولي التربية والمناخ التربوي الذي يحيا فيه الفرد أولوية كبرى في التعلم وتوجيه العقل لتأدية دوره،

"فنحن لانزال نذكر تلك الصور الساخرة التي رسمها الكتاب منذ مئة سنة، لمعلمين في المدارس، قسمات وجوههم كالحة، وفي أيديهم عصي يرهبون التلاميذ المروعين"، ويعترف الكاتب أن التعليم العام لايزال تجربة جديدة في ثقافتنا المعاصرة!

لقد بين الكاتب أن المعرفة ليست حكراً على أحد، كما أنها أيضاً ليست ممكنة للجميع، فهذه الإمكانية تمنع أحيانا بسبب العوائق التي ذكرناها،

 والتي لابد هناك عوائق أخرى أقل أهمية منها، وتمنع المعرفة أو بالأحرى تصبح غير ممكنة أحيانا، وذلك حسب نوعها،

 فقد سلط الكاتب الضوء على أنواع معينة من المعرفة مستحيلة أو ناقصة كما أسماها الكاتب؛ فمعرفتنا بذواتنا وبالأمور الإلهية دائما ناقصة وقاصرة! ويضرب الكاتب لذلك مثالاً: "معرفتنا بطبيعة الله،

 فهي تكاد تكون بحكم تعريفها شيئاً لا يدرك ولا يعبر عنه، الشيء المطلق، فنحن نعرف أن - هناك -؛ لكن لا نعلم - ما هناك -".

طرح الكاتب مفهوماً جديداً، أطلق عليه اسم قصور العلم، وقد شرحه على النحو التالي: "إذا أخذنا العلم بأدق ما وضع له من تعريف،

 لم يكن لنا بد من التسليم بأنه ناقص، شأنه كشأن جميع ألوان النشاط في العقل البشري"، ويبدو لنا واضحاً أن الكاتب لم يعلق على العلم أمله بفهم كل ما في العالم،

 أو تفسيره، وقد رأى أن هناك مجالات لا يمكن للعلم الخوض بها، بل الخوض بها لن يغني ولن يثمر؛ وعلى رأسها معرفة ما وراء الطبيعة.
 وعليه، لا يمكن لأحد أن يزعم أنه يعرف كل المعرفة، بل هذا رجاء وحسب!

ويضيف الكاتب بأن مصطلح الخبرة أو الإدراك الذي يتدفق على الإنسان، من مصادر ليس لها صلة بالعقل،

 وهي على حد تعبير الكاتب، خبرة زاخرة القوة، وتعد جزءاً من فيض الحقيقة الكلي، وهو هنا يستشهد بخبرة الصوفيين، ومهارة الفنانين،

 ويستعين الكاتب بكلمات قالها الشاعر "هودجسون" ليصف لنا كنه هذه الخبرة التي طالما كانت رديفاً قويا للعقل:

(للعقل أقمار،
 ولكن أٌقماراً
غير أقماره تنعكس على مرآة البحر،
فتحير علماء الفلك
ولكنها تبهجني).

وهذه الخبرة كما يوضح الكاتب جلبرت هايت، ينالها كل امرئ في زمن ما من أزمنة الحياة، من مصدرين عريقين أصيلين،

 هما: النشاط البدني، وحب الطبيعة! ولنا أن نستوعب الفكرة الرئيسة من مفهوم الخبرة الذي أراد الكاتب طرحه،

 وهي هنا ما يمكن الاستعانة به حين يعجز العقل عن إدراك شيء، فتأتي أنشطتنا الروحية لتملأ الفراغات،

وتسد النقص المعرفي الذي يعجز العقل عن الوصول إليه، ولن ننسى أن نشير هنا إلى أن هذا النقص يبدو جلياً في الحقائق الدينية والقبول بها كما ذكر الكاتب، "إن المعرفة والفكر قاصران، وإذا اعتمدنا عليهما وحدهما وحسب، فلن نبلغ كامل إنسانيتنا،

 ولابد للبحث والاستكشاف من أن يمضيا في دفع حدود المعرفة إلى ما وراء نطاق الحس، وإلى الأعماق الخفية، في الماضي، أو رحاب الكون، أو عقول الناس". ويبدو أن الحد الأخير من المعرفة يلخص في كلمات أحد فلاسفة القرون الوسطى حين كتب: جميع الأشياء تنتهي إلى ألغاز.


3- الجزء الثالث :-
 هناك نوعان من الحدود المفروضة على المعرفة البشرية، الأول: الذي يفرضه البشر أنفسهم، والثاني: وهو أصيل في تركيب العقل وصلته بالكون.

وفي الجزء الأخير، سينهي الكاتب جلبرت هايت كتابه بدعوتنا لليأس من الوصول للمعرفة؟ أم أننا لابد أن نحاول دائماً؟،

 وأننا بعيداً عن الماورائيات، فنحن نعيش عالماً محسوساً يستحق أن نعمل عقلنا لأجله، بل وألا نتوقف في طلب العلم وبكل حماسنا البشري الذي يميزنا عن باقي الكائنات الحية، أسمى الكاتب الجزء الأخير من كتابه تكريس،

و بين أن ليس للإنسان مفر من التفكير، وهو يلازم جميع الرجال والنساء، ليل نهار، من الطفولة إلى الشيخوخة، في الصحة والمرض،
 في النوم واليقظة، فالدماغ يعمل كما يعمل القلب، ينبض نبضاً لا ينقطع.

ويستوقفنا جمال الحرف وإبداعه لدى كاتبنا حين يعتبر التفكير واجب علينا، فمن الجمال بمكان أن يعتبر الإنسان التفكير ضرورة إنسانية،

 ويرى الكاتب مخاطباً الناس "واجبهم نحو أنفسهم، يقتضيهم أن يفكروا كأزخر ما يكون التفكير وأغنى، وأن يروضوا عقولهم،

 ويستمتعون بها كما يروضون أبدانهم ويستمتعون بها، حتى يصيرا كلاهما -العقل والبدن- وحدة متآلفة هي حياتهم". ويختتم الكاتب أفكاره القيمة التي حاول بثها في هذا الكتاب، بالدعوة لنشر العلم والمعرفة،

 وعدم احتكارهما في العقل الإنساني، بل تعميم نتائجها على الإنسانية، وذلك من خلال النقابات المشرفة على ذلك، والمؤسسات التي تأخذ على عاتقها مهمة نشر المعرفة؛ ونقصد بذلك الجامعات والمدارس،

 ويرى الكاتب أن هذه المدارس والجامعات تستحق كل إكرام، والذين أسسوها وساعدوا على المحافظة عليها يستحقون كل إكرام أيضاً؛ فهذه الجامعات هي من أمتن دعائم القوة في حضارتنا.

 وهذا العقل الفاعل فيها والمؤسس لأفكارها هو الذي أخرجنا من همجيتنا إلى الحضارة والحكمة، و سيسير بنا إلى آفاق أبعد، إن نحن أحسنّا استخدامه وتكريسه في سبيل الإنسانية.

لقد اختتم جلبرت كتابه بتلك الدعوة السامية لنشر الأفكار وعدم احتكارها لمصلحة جماعة معينة؛ لتشمل الإنسانية وتخدمها في آن،

 وهذا ما يسمو بدور العقل ويرفع شأنه. فكما بدأنا ننهي بأن العقل ذومكانة وأهمية كبيرتين، ويستحق أن يكتب لأجله الكثير.



 تقول الأسطورة اليونانية القديمة أن أوديب الذي قتل أباه لا‌يوس وتزوج أمه جوكاستا أنجب من أمه أربعة أبناء: إيتيوكليس وأخاه الأ‌صغر بولينيس وبطلتنا أنتيجوني وأختها إسمين. عندما اكتشف أوديب جريمة قتله لأبيه وزواجه من أمه،

 تلك الجريمة التي اقترفها من دون أن يدري، فقأ عينيه وسار هائما على وجهه لكنه قبل أن يترك مدينته لعن ابنيه ودعا عليهما بأن يقتل أحدهما الآخر. وتتشكل الأقدار،

 حيث يختلف الابنان على الحكم،
 الذي كان من المفترض أن يتولياه مشاركة بالتناوب، إلا‌ أن الأخ الأكبر إيتيوكليس يتفق مع خاله كريون على طرد أخيه الأصغر بولينيس، مما يدفع بولينيس إلى تكوين جيش من الخارج ويحاصر مدينته محاربا أخاه وخاله ويقتتل الأ‌خوان ويقتل كل منهما الآخر،

 ويقول سوفوكليس على لسان الكورس في نص المسرحية...
 هذان الأ‌خوان في الدم، من أب واحد وأم واحدة، متشابهان في الغضب... تصادما وفازا بجائزة الموت المشتركة!

وبناء على هذه النتيجة،
 يصبح الخال كريون هو الملك الحاكم والقوة المهيمنة، ويقرر لحظة تملكه السلطة أن يشيع جثمان حليفه إيتوكليس في احتفال يليق ببطل عظيم ويوسد جثمانه القبر بيديه، إجلالا‌ وتشريفا للميت،

 بينما يأمر بعدم دفن جثة بولينيس لتنهشه الوحوش المفترسة والطيور الجارحة عقوبة لخيانته ـ من وجهة نظره ـ ويتوعد من يدفن الجثة ويخالف أمره، أيا من كان، بالموت الرهيب.

نحن نعيش عالماً محسوساً يستحق أن نعمل عقلنا لأجله، بل وألا نتوقف في طلب العلم وبكل حماسنا البشري الذي يميزنا عن باقي الكائنات الحية
ونعرف أن عدم دفن الموتى خطيئة تحرمها العقيدة اليونانية القديمة التي تنص على ضرورة دفن الموتى ولو كانوا من جيش الأعداء.

 لكن الملك المتغطرس كريون، في حقده البالغ، يتعدى حدوده فيكسر عقيدة الشعب ويجور على الناس. ورغم هذا الجور البالغ يعقد الخوف ألسنة الجميع ولا‌ يجرؤ أحد على مواجهة الظالم،
 وهنا تبدأ حكاية أنتيجوني حين تتقدم وحدها لتقاوم الملك الجائر وتقرر تحدي الأوامر الملكية تلبية للأوامر الإلهية التي تحث على دفن الموتى، وتقوم بدفن جثة أخيها رغم تحذير شقيقتها التي تتهمها بـ «حب المستحيل»

 لكن أنتيجوني لا‌ ترى طاعة دينها محبة للمستحيل، بل هي واجب وأمانة في عنقها، فإذا كان كريون الظالم لا‌ يخشى، وهو بشر،

 الأمر الإلهي فكيف تخشى هي أمر بشر طاغية؟ وبشجاعة، مستمدة من إيمان مطلق بصحة موقفها تستعجل تنفيذ قراره الجائر بقتلها وتقول: اعطني المجد ! وأي مجد يمكنني أن أفوز به أكثر من أن أعطي أخي دفنا لا‌ئقا؟
وهؤلاء الناس يوافقونني جميعا، ولولا‌ أن شفاههم يغلقها الخوف، لمدحوني كذلك. يا لحظ الطغاة، إنهم يملكون امتيازات القوة، القوة الفاسدة، وهي أن يرغموا الناس على قول وفعل كل ما يرضيهم!

وحين يقتاد الحراس أنتيجوني إلى حيث ينفذ فيها الحكم القاسي بالدفن حية في قبر صخري بين الأ‌موات تقول أنتيجون لا‌ بد أن أموت،

 لقد عرفت ذلك كل عمري، وكيف أمنع نفسي عن هذه المعرفة... إذا كان علي أن أموت مبكرا، فإنني أعتبر ذلك مكسباَ؛ فمن على الأرض يعيش وسط حزن كحزني ويخفق في أن يرى موته جائزة غالية؟


 جلبرت هايت، جبروت العقل، ترجمة فؤاد صروف، القاهرة، المركز القومي للترجمة، سلسلة ميراث الترجمة، العدد 2543، 2015  



السبت، 14 يناير 2017

ملخص الحب فى زمن الكوليرا ( مرض الكوليرا )

هي رواية للكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيث، نشرت عام 1985،
 وقد تم معالجتها سينمائيا إلى الحب في زمن الكوليرا وهو فيلم يحمل نفس عنوان الرواية
 وربما لتكون طريق لخلق شخصية الطبيب الذي
اصبح فيما بعد زوج فرمينا.






قد ربط المؤلف بين الحب ومرض الكوليرا . 
ربما حسب اعتقادي انه احتاج

 ان يربط القصة بشئ انساني يجعلها اكثر قرباً من القارئ ومعايشةً مع
معاناتهم عند انتشاره .

1- أحداث الرواية مع الفلم الذى كتب بنفس العنوان :-

تتحدث الرواية عن شاب في مقتبل العمر وإن كان ليس وسيماً… فلورنتينو اريثا
الذي يعشق فرمينا اديثاوهي على مقاعد الدراسة

وتبادله الحب عبر الرسائل فتطرد من المدرسة الدينية لأن الراهبة ضبطتها تكتب رسالة حب لهُ

كما يرفض والدها التاجر هذا الحب لانه يأمل لابنته بعريس من طبقة اجتماعية اعلى
فيسافر بها بعيدا عن حبيبها لانها تمسكت به وتمسك بها ويذهب بها للسكن في احدى المدن البعيدة

دون أن يدرك أن ابنته كانت على اتصال مع حبيبها طيلة الوقت بوساطة
التلغراف وتعلقت به إلى أن اعتبرته خطيبا لها

وبعد مرور 3 سنوات على حب عن طريق الرسائل فقط …
 يصادف ان
تمرض فرمينا وكانت اعراض مرضها تشبه اعراض مرض الكوليرا فياتون
بابرع طبيب موجود بالبلد لفحصها

وكان شاباً جميلا ووسيما درس في اوربا … واتضح فيما بعد ان المرض لم
يكن كوليرا .

 2- حب الطبيب لها وطلبها للزواج :-

بداية المأساة كانت وبعد ثلاثة سنوات من حبهالفلورنتينو عبر الرسائل شبه
اليومية لم تقترب منه بدرجة كافية

 كما في حصل ذات مرة في السوق
وهي تشتري أغراض الخطوبة لتفاجأ بان حبها مجرد (( وهم )) وتذهل كيف
أحبت ذلك (( الطيف )) المفتقر إلى الملامح المحددة فتنهي الأمر بقرار فردي
 من جانبها فقط

ويعود فلورنتينو الى البيت باكيا كما الطفل في احضان امه وكان هذا من
المشاهد الرائعه للفلم

ثم تتزوج من الطبيب الجذاب خريج أوروبا ويحظى الزواج بمباركة والدها نظرا
لمكانته الاجتماعية

وتعيش معه سعيدة طوال 52 عاما من عمرها
تسافر فيها معه إلى أغلب أنحاء أوروبا وتتفنن في جمع كل ما هو غريب
لتعرضه بعد عودتها على الأصدقاء والمعارف

و تساهم وزوجها الطبيب في النشاطات الاجتماعية والثقافية في البلاد وتنتقل
إلى طبقته بتفوق

وتنجب منه بنات وبنينوتنسى حبها الأول الذيلا ينساها للحظة ويعاهد نفسه
على الزواج منها حتى لو أدى به الأمر أن ينتظر أو يتمنى وفاة زوجها !!

ثم يبدا فلورنتينو بالسعي للارتقاء في عمله في شركة النقل النهري التي يملكها
عمه بفضل اجتهاده وسعيه لمكانة ترضي حبيبته التي نسيته

وتعرف على الكثير من النساء ولم يحب واحده منهن …. جميعهن كنَّ علاقات
وقتيه لاشباع الغريزة وللانتقام من نفسه المحطمة داخليا

إلا أنه كان يعتبر نفسه طوال الوقت زوجا لفرمينيا اديثا ويحافظ على سرية تلك
العلاقات ويرفض أن تقاسمه أي منهن سريره في بيته والمُعد فقط لها
زوج فرمينيا داثا كان طبيبا مثاليا

يحب زوجته دون أن يخلو الأمر من نزوة تعرض لها وضحى بالمرأة التي
ربطته معها نزوة عابرة اكتشفتها فرمينا وسامحته عليها

الفلم مليء بالاحداث المتسارعة والمناظر الماساوية لمرض الكوليرا وضحاياه
وتمر السنون ويتوفى زوجها وهي في السبعين من العمر

وكان هذا ايضا من اروع مشاهد الفلم … حين رجعت عائدة من مراسيم دفن
زوجها لتفأجأ بوجودفلورنتينو في بيتها حاملا قبعته بين يديه وقال لها
لقد انتظرتكِ 51 عاماً لاقول لكِ باني لم انساكِ أبداً.


3- طردة من بيتها :-

لكنها بنفس الوقت هرعت الى دولابها واخرجت منه صندوق قديم يحوي جميع
رسائله اليها .

 وكذلك خصله من شعره كان قد اعطاها اياها قبل ان ياخذها
والدها ويتركوا المدينه ليبعدها عنه . كانت محتفظه بكل شئ يخصه

وكانت هي ايضا قد اعطته ظفائرها قبل رحيلها مع والدها ليحتفظ بها خلودا لحبهما

ولم ييأس فلورنتينو، وبقي يرسل لها الرسائل
عن تأملات في الحياة والزواج والشيخوخة اخذت فيما بعد تنال رضاها
وتساعدها على تقبل الشيخوخة والموت بطريقة أفضل

وتقبلته شيئا فشيئا كصديق من عمرها تتبادل معه الأحاديث والتأملات فيما لا
زال هو يرى فيها الحبيبة رغم تبدل مظهرها وذبولها وتجاوزهما العقد السابع
أحداث الرواية الأخيرة
 تدور في سفينة نهرية حيث يدعو فلورنتينو حبيبته
لرحلة نهرية على سفينة تمتلكها شركته فتوافق وهناك يقترب منها اكثر وتدرك
بأنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها لا يصلح للحب

تنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر
دون أن ترسو فيما تضم عش الحبيبين الذين لا يباليان بكبر عمرها ويقرران
انهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب وهيالحب لذات

كتاب مستقبل التعليم العالى

" مستقبل التعليم العالي " يعتبر هذا الكتاب  دليلاً مفيداً لطلبة التعليم العالي في هذه القضايا الهامة والراهنة ،  فنحن ال...